02 فيفري 2011
من
المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين
إلى معالـي
السيـد وزيـر العــدل
دام حفظه،
الموضـوع: مذكرة حول
ملامح الوضع القضائي وبعض الاقتراحات المستعجلة.
بعد جزيل التحية، فإن المكتب التنفيذي
لجمعية القضاة التونسيين إذ يستحضر في أول قبول لأعضائه توجه الإرادة الشعبية نحو
عدالة شاملة وقضاء مستقل ـ يؤكد على ضرورة التأمل والاعتبار من وضعية العدالة
المتدهورة لمدة تزيد عن نصف قرن والتي تميّزت خصوصا:
1-
باستئثار السلطة التنفيذية بجميع السلطات وإحكام
رقابتها على العدالة بمضمونها الواسع وهو ما أدّى خصوصا في العقدين السابقين إلى
هيمنة السلطة على القضاة وإلغاء دور القضاء كمؤسسة في غياب الضمانات الجوهرية
لاستقلال القضاء بما في ذلك حرية التعبير والتجمع لأعضاء السلطة القضائية.
2-
بروز هيمنة الإدارة المتمثلة أساسا في وزارتي
العدل والداخلية على النظام القضائي وإرساء نظام وصاية مكّن من ممارسة إدارة
رئاسية على القضاة والمحاكم ومختلف المؤسسات القضائية حتى وإن كانت تعاونية بعيدا
عن قيم المشاركة والشفافية والانتخاب وهو ما أنتج بصفة طبيعية انحسار ممارسة
القاضي لواجبه بصفة مستقلة وتهميش المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية ورمزية
وتسخيره لخدمة أغراض النظام السياسي الفاسد وتشجيع القضاة على الانسجام والتواؤم
مع نظام الوصاية خشية النقلة أو الحرمان من الترقية أو توقعا لامتيازات وظيفية و
تعلق بعض القضاة بولاءات فردية في إطار ما يشبه الكفالة الشخصية Le parrainage
التي يمارسها الكفيل من أصحاب الوظيفة القضائية
أو الإدارية العليا على عدد من القضاة .
3-
بالمساس بصفة جلية من ثقة
المواطن في العدالة وإنكار التكامل بصفة مبدئية بين القضاء والمحاماة وعدم تمكين
المحامين من ممارسة مهمتهم بصفة مستقلة وانعزال الإدارة عن إشراك مساعدي القضاء
وكتبة المحاكم في تصور عدالة ناجعة وهو ما أدّى بصفة أصلية إلى ديمومة نظام
الوصاية على العدالة والتشجيع على الفساد القضائي والإداري واستعمال القضاء في غير
أهدافه وفتح الباب للإفلات من العقاب وتعطيل دور القضاء في حماية الحريّات العامة والفردية
والامتناع عن تنفيذ الأحكام انتهاء إلى الزج بالقضاء في محاكمات سياسية تخل بحياده
ونزاهته.
وإن المكتب التنفيذي، إذ يشير
إلى ما ورد في خطاب السيد رئيس الجمهورية المؤقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوم 20
جانفي 2011 من اهتمامه بصفة خاصّة بالعدالة حتى تكون اليوم مستقلة وشفافة لأنها
ركيزة الإصلاح في المرحلة القادمة فإنه يلاحظ:
1- غياب التأكيد بصفة رسمية على
محتوى الضمانات القضائية وإطار الإصلاحات الخاصة بالعدالة وطبيعتها إضافة إلى غياب
المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية تسهر على تحقيق تلك الضمانات مع اعتبار أن
تعهّد القضاء في المرحلة الحالية بالقضايا المترتبة عن الأوضاع الاستثنائية التي
تمر بها البلاد يستدعي الحديث بصفة عاجلة عن تلك الضمانات والإصلاحات المرتقبة.
2- استمرار نظام الوصاية على القضاء
بأشخاصه وامتيازاته سواء على مستوى وزارة العدل أو المؤسسات المرتبطة بها في تناقض
مع سياق التغيرات التي تشهدها البلاد والقطاعات الأخرى.
3- زيادة الضغط على
المحاكم والقضاة ووزارة العدل بمختلف مصالحها واختلال العمل القضائي بسبب الأضرار
البليغة اللاّحقة بعدد من المحاكم وظهور ممارسات غير معهودة أدّت إلى تركيز
الانتباه على القاضي بصفة فردية وإشاعة الحديث عن الفساد والرشوة والتشكيك في استقلال
القضاء وحياده في إطار المنظومة الحالية لإدارة العدالة.
4- الانتقاص من تمثيلية
القضاة وحرية الاجتماع المكفولة لهم وعدم ضمان ما ورد على لسان السيد الوزير الأول
في 17 جانفي 2011 من تمكين جمعية القضاة التونسيين من النشاط الحر وعدم الاستجابة
إلى المذكرة المقترحة من الجمعية بخصوص القضاة المشمولين بالعقوبات التعسفية على
خلفية نشاطهم في الفترة السابقة زيادة على ما لوحظ من ارتباط بعض الرموز من القضاة
بوزارة العدل في محاولة التآمر على الهيكل الموحّد للقضاة وتباعد وزارة العدل منذ
تنصيب السيد وزير العدل في 19 جانفي 2011 عن اعتماد استشارة القضاة ممثلين في
جمعيتهم في القرارات المتعلقة بأوضاعهم وشؤون المحاكم وهو ما أدّى في السابق إلى
ترسيخ سلوك أحادي في إدارة العدالة.
وفي ضوء ذلك فإن المكتب التنفيذي مساهمة منه في
اقتراح بعض الحلول المستعجلة يعرض على الجناب:
1) الاعتماد في معالجة
مظاهر الفساد في إدارة العدالة على التوجه العام في البلاد نحو رفع المظالم
واستبعاد الأطراف المسؤولة عن تكريس سياسة الفساد وحماية الفاسدين بمؤسسات الدولة
بما في ذلك وزارة العدل وكل المؤسسات القضائية والأدوات الضالعة في امتهان كرامة
القضاة والانقلاب على جمعيتهم.
2) التوجه دون إبطاء إلى
تحرير القضاء من قيود الإدارة الحالية للعدالة وذلك باتخاذ خطوات جريئة في مستوى
المرحلة و تخلى وزارة العدل عن إدارة المحاكم والمؤسسات القضائية والاشراف على
القضاة بالصيغة الحالية بقصد فسح المجال
لإرساء قضاء الدولة في مقابل قضاء الإدارة ويمكن المبادرة في هذا الصدد على سبيل
المثال:
- بالتخلي عن ممارسة وزير العدل لسلطة رئاسية
على أعضاء النيابة العمومية حتى يتمكن القضاة من تمثيل مصالح الدولة وممارسة
التتبع دون قيد من السلطة التنفيذية.
- التخلي عن تسمية أصحاب الوظائف القضائية
العليا وعددهم سبعة بمقتضى أمر وإحالة الاختصاص في ذلك إلى المجلس الأعلى للقضاء
وإلغاء ما يقتضيه الفصل 7 من القانون الأساسي للقضاة في هذا الصدد لمخالفته
الصريحة للدستور.
- إحالة الإشراف على التفقدية العامة إلى المجلس
الأعلى للقضاء والقطع مع التبعية الإدارية المباشرة للمعهد الأعلى للقضاء ومركز
الدراسات القانونية والقضائية لوزارة العدل.
- إحالة الاختصاصات الإدارية للوكلاء العامين
ووكلاء الجمهورية إلى رؤساء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وإعطاء الأولوية
في الحركة القضائية القريبة لإحداث تغييرات جوهرية على مستوى إدارات المحاكم
ووظائف النيابة العمومية.
3) التكريس الفعلي للمبدأ
الجوهري لاستقلال القضاء وهو عدم قابلية القضاة للعزل principe de
l’inamovibilité و ما يترتب عنه من
عدم نقلة القاضي إلا برضاه إضافة للترقية الآلية عند إجراء الحركة القضائية
القادمة في انتظار صياغة المبادئ المذكورة عند إقرار الإصلاحات الدستورية
والقانونية في هذا الشأن.
4) إبراز وجود المجلس
الأعلى للقضاء في المشهد القضائي الحالي وتعيين مقر وقتي له خارج وزارة العدل قصد
تمكين القضاة من التوجه لأعضائه وإدارته بالطلبات الخاصة بوضعهم المهني وما يدخل
في اختصاصه بمقتضى الدستور.
5) إنشاء لجنة قضائية
بصفة انتقالية تتكون أساسا من المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين أو من
القضاة الذين يقترحهم وقاضيين عن كل رتبة يتم انتخابهما لمدة عمل اللجنة لإعداد
حركة النقل استثناء من مبدأ عدم نقلة القاضي إلا برضاه في ضوء التوجه الرامي إلى
رفع المظالم المقترفة في الفترة السابقة باسم المجلس الأعلى للقضاء وإعداد حركة
الترقيات على ضوء مبدأ الترقية الآلية وأسس المفاضلة الموضوعية بين المترشحين طبق
معايير يتم ضبطها والإعلان عنها عن طريق المجلس الأعلى للقضاء .
6) الاستجابة من السيد
وزير العدل عن طريق مذكرات عمل إلى مقترحات جمعية القضاة التونسيين والمضمنة
بالمذكرة المرفوعة بتاريخ 25 جانفي 2011 بشأن التراجع عن النقل التعسفية وقرارات
الخصم من المرتبات الشهرية وإلغاء الإنذارات الموجهة من وزير العدل السابق إلى عدد
من القضاة على خلفية نشاطهم بالجمعية .
7) مراعاة حالة الترقب
والحيرة لدى الوسط القضائي من عدم الإعلان عن أية تدابير مطمئنة بشأن وضعهم
الوظيفي واتخاذ إجراءات سريعة لاستعادة السير العادي بالمحاكم المتضررة من الأحداث
الأخيرة وتأمين حراسة مناسبة لأعضاء الهيئة القضائية وأعوان وزارة العدل.
ضرورة إقرار إجراءات
عاجلة وامتيازات عينية لتحسين الوضع المادّي للقضاة وكتبة المحاكم وأعوان وزارة
العدل مراعاة لمسؤولياتهم الحالية وانتظارا للمهام الموكولة لهم في المرحلة
القادمة.
9) تكوين لجنة مشتركة بين
وزارة العدل وجمعية القضاة للنظر في ملف تعاونية القضاة وأساليب تصرفها المالي
والإداري تحضيرا لإعادة صياغة قانونها الأساسي وانعقاد أول جلساتها العامة منذ
إنشائها.
10) إحداث لجنة وطنية قصد
إعداد مشروع النهوض باستقلال القضاء تضم أساسا جمعية القضاة التونسيين والهياكل
المعنية بالشأن القضائي (الهيئة الوطنية للمحامين -النقابة العامة للعدلية –
ممثلون عن مساعدي القضاء - الوزارات
المعنية) وذلك قصد اقتراح تصور متكامل للإصلاحات الدستورية والقانونية والهيكلية
لإدارة العدالة بالبلاد في المرحلة القادمة.
وفي الختـام تقبلـوا وافـر التحيّـة
والتقديـر.
عن جمعيـة القضـاة التونسيين
رئيــس الجمعيــة
أحمد
الرحموني